الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية القلم الحرّ: التحصن بالوطنية والمهنية أقوى وأبقى من الحصانة البرلمانية

نشر في  17 أوت 2016  (10:36)

بقلم الأستاذ: عفيف البوني

منذ فترة ، قرأت للنائب عبد العزيز القطي واحدة من أغرب جلجلاته وما أكثرها، أعني حين جلجل متحصنا بحصانته البرلمانية، واتهم من دون أي دليل، السيد عبد الرحمان بالحاج علي، المدير العام للأمن الوطني بأنه «قد ركز جهوده لتشكيل فرقة للتجسس على رئيس الجمهورية وعائلته وعدد من  قيادات النداء القريبةمنها عوضا عن العمل على تطوير المنظومة اﻷمنية».. وأضاف: «تعيين بالحاج علي كان كارثة قام بها رئيس الحكومة».
انتظرت أن يقدم السيد النائب الجعجاع ملفا مع اﻷدلة للقضاء لوقف ما عبر عنه بالكارثة. وانتظرت أن يصدر تصريح رسمي أن تلك الجلجلة الشخصية والسياسوية، قد تطوع بها صاحبها من غير تكليف رسمي، وتجاهلت رئاسة الجمهورية ذلك. وانتظرت أن يتكلم وزير الداخلية، وانتظرت أن يقوم السيد وكيل الجمهورية بما يوجبه القانون عليه في فتح ملف حول تلك اﻹتهامات، لكي يثبتها السيد القطي، وإن لم يفعل، تقع مؤاخذته قضائيا، بعد رفع الحصانة عنه..كل ذلك لم يحصل، ومعنى هذا أن مؤسسات الدولة، في هذا اﻹطار بقيت متفرجة أو صامتة،وفي ذلك هروب من المسؤولية غير مبرر أمام الرأي العام، ووحده صمت المديرالعام للأمن الوطني، يستحق اﻹحترام، عندما ترفع عن الرد او التعليق، وتخلى عن حقه في مقاضاة من جلجل اتهامات سياسية، باعتبار عدم صدقيتها، لعدم توجهه بها للقضاء، وقد يكون في ذلك قد عول على الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها، وهي حصانة مؤقتة وزائلة وضعيفة، قياسا الى الحصانة غير البرلمانية، أي الحصانة الوطنية واﻷخلاقية والمهنية التي هي الرصيد الكبير الثابت للسيد عبد الرحمان بالحاج علي،فقد عزله النظام السابق، ولم يتعرض ﻷي اتهامات بتجاوز القانون قبل وبعد الثورة، وقدأضاف الى رصيده والى رصيد التونسيين، منذ أن عاد الى وظيفته الحالية، توفير اﻷمن وإجهاض الجرائم اﻷرهابية قبل حدوثها، طبعا بفضل جهود كل أفراد وقوى اﻷمن والجيش، كما لم يكن اﻷمر قبل توليه مسؤوليته الحالية.تلك اﻹنجازات الملموسة هي ما أسماه المذكور بالكارثة!
ان تلك التصريحات السياسية وغير المسؤولة، تتجاوز شخص المدير العام للأمن الوطني، وتنال من سمعة ومعنويات قواتنا اﻷمنية، والتي أثبتت جدارتها وهي تسترجع العزم والجاهزية والمبادرة في الحرب  على اﻷرهاب والانتصار عليه، وليعلم السيد القطي ومن هو على شاكلته، أن الوطنية،تكون أوﻻ في القوة   اﻷمنية وفي الجيش، قبل أن تكون عامة ومبدئية في كل أفراد الشعب في أي بلد ديمقراطي.حتى وان تحصل حاﻻت معزولة من التجاوزات من طرف بعض رجال امن كما تحصل التجاوزات عند السياسيين والقضاة وغيرهم..
لقد وجه فرحات الراجحي ضربة ﻷمن البلاد، في غفلة من التاريخ، وتكرر بعد ذلك حدوث حاﻻت عديدة ارتجالية أو بدوافع حزبية أو محسوبية أو مدبرة في ليل وأعني قرارات العزل او الترقية أو النقل او التهميش للأعوان أو ﻷهل الخبرة الكبيرة، فدفعت البلاد ثمن ذلك باهظا جدا، وحان اﻵن، وقت إعادة تأهيل وإصلاح وتطوير قواتنا اﻷمنية والعسكرية، وإزالة  الغبن عمن ظلموا، واﻹستفادة من الكفاءات التي وقع تسريحها دون موجب، ويجب تجريم كل اتهام ﻻ يثبت القضاء صحته، حتى ان صدر عن المحصنين كالسيد القطي.
لقد وفرت الثورة، الخلاص للشعب التونسي، من احتكار السلطة السياسية التصرف بجهاز اﻷمن وجعله في خدمة النظام والحكام، ووفرت الخلاص لقوى اﻷمن ذاتها لتتحرر من التوظيف السياسي والحزبي وتتحلى بالحياد الكامل تجاه اﻷحزاب والسياسات واﻷديان،وتتفرغ لخدمة أمن تونس وكل التونسيين جميعا.
في بلد ديمقراطي، ﻻ يجب أن يسمح بانتهاك القانون، واﻹتهام المجاني وغير المسؤول، وحتى وإن صدر من قبل متحصن بحصانة مؤقتة، فإنّ ذلك يمثل تعديا على القانون، وتعديا على الساهرين على أمن تونس والتونسيين. وإحدى ضمانات النجاح في اجتثاث اﻹرهاب، إعادة كل ﻹطارات الكفأة والنظيفة من رجال اﻷمن.فتونس في حاجة اليهم جميعا.
أخيرا أقول للسيد القطي ومن يفكر مثله، بمفهوم مغلوط عن طبيعة اﻷمن الوطني في دولة ديمقراطية، وذلك بغض الطرف عما أراده من التسييس، ﻻ اختلاف اليوم حول إلزام والتزام اﻷمن الوطني المطلق بالحياد في السياسة وتجاه اﻷديان والفلسفات، ولكن ذلك ﻻيجب أن يمنعه من تتبع ورصد وجمع وتدوين وتحليل المعلومات عن كل المحكومين والحاكمين، بمن في ذلك السياسيون، المحصنون وغير المحصنين، حتى أنت وحتى رئيس الجمهورية، حتى يمكن التأكد، أن المصالح العليا مصانة، وأن الدستور والقانون يقع احترامهما، وأن المسؤولين أهل للمسؤولية، ﻻ أحد مهما علا شأنه ، مستثنى من أنظار اﻷمن، ﻷنه لم يلد بعد تونسي واحد معصوم من الخطإ، ورؤساء أمريكا وروسيا وفرنسا...يخضعون لرقابة صارمة من اﻷمن الوطني  في مكاتباتهم ومكالماتهم ومحادثاتهم مع المرؤوسين ومع اﻷجانب، وليس في ذلك ما ينال من شرفهم الوطني والشخصي، بل من العيب ومن الخطر الجسيم، اﻻ يقوم اﻷمن الوطني بوظيفته اﻷمنية الكاملة مع الجميع ودون استثناء أي مسؤول، والدساتير الديمقراطية لم تنزه الرؤساء وﻻ زعماء اﻷحزاب وﻻ أفراد عائلاتهم وﻻ رجال اﻷمن، الجميع يتساوون في أن يكونوا كبقية المواطنين، مشمولين بعمل اﻷمن الوطني.